في مشغل الرياضيات في مؤسسة الهادي، تلامذة من ذوي الحاجات الخاصة من صم ومكفوفين وذوي صعوبات تعلمية جاؤوا على غير عادة وباندفاع لتعلم لغة الأرقام والحروف التي كانت لكثيرين منا مادة سمجة لا تطاق!.
لا تحتاج إلى “سر” لاكتشاف مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل التابعة لجمعية المبرات الخيرية. وجوه موظفيها مضيئة فرحة يسكنها سلام داخلي لأنها “مطعمة” بوصايا مؤسسها السيد محمد حسين فضل الله الذي سكن العقول والقلوب وزين بصوره ووصاياه الإنسانية كل مكان في “الهادي”.
في مكتبه، استقبلنا مدير المؤسسة إسماعيل الزين الذي عرض لتاريخ المؤسسة التي أسسها السيد محمد حسين فضل الله في عام 1988 وانطلقت لتعليم ذوي الحاجات الخاصة بصرياً، سمعياً، وأولاد يعانون اضطرابات ذهنية وآخرين مصابين بتوحد”. وأعلن أن “المؤسسة عملت على إعداد برامج تربوية تتكيف مع هذه الفئة باختلاف خصوصية كل منها وتطبق من خلالها معايير جودة التعليم وصقل مهارات التربويين وتدريبهم بهدف تملك خبرة لتعليمها”.
ونوه بمشروع مشغل الرياضيات الذي يواكب، وفقاً لأساليب حديثة، “استراتيجيا تعليمية مناسبة لذوي الحاجات الخاصة وتعليم الرياضيات بطريقة ممتعة من خلال ألعاب تنمية التفكير، واستراتيجيات عدة، منها التعليم التفاعلي، وتعليم الرياضيات عبر المسرح والرسم، ومشروع آخر يختارون خطة لتنفيذه”.
توجهنا إلى المشغل برفقة منسق مادة الرياضيات وصاحب مبادرة هذا المشغل أحمد الحسيني. المشغل الذي وصفه الزين بأنه “غرفة مجهزة بأدوات ووسائل تعلمية تساعد التلميذ المكفوف والأصم في تلمس المادة المجردة”.
تعلم الرياضيات ممتع!
وصف الحسيني المكان قائلاً: “في الغرفة لوح تفاعلي. هنا على الرفوف الخشبية أدوات هندسية وأخرى للقياس، مكعبات ومجسمات تسهل على المكفوفين والصم حل القواعد الرياضية بأسلوب يضفي على الحصص الدراسية شيئاً من الفرح”. قال التلميذ في مدرسة الصم للرجاء أحمد برجاوي في شهادة سجلها وثائقي خاص بالمؤسسة أنه أصبح “مولعاً بالمادة”. قال بالعامية: “أنا بحب أتعلم مادة الرياضيات كتير بسبب المشغل. صرت أفهم وصرت حس الرياضيات أسهل”.
ثم عاد الحسيني إلى شرحه قائلاً: “لنأخذ مثلاً في مشغل الجبر… إذا اردنا أن نجمع عبارتين جبريتين معا. لدينا هنا مشغل الجبر وهو عبارة عن قطع خشبية بلونين مختلفين للدلالة على إشارة الزائد والناقص للصم ومكتوبة بلغة البرايل للمكفوفين”. وبرأيه، يستطيع التلميذ جمع العبارات الجبرية وضربها وكتابتها على شكل عوامل أولية.
وقال الحسيني إن هذا “المشغل فرض علينا تنظيم نشاطات تطبيقية، هدفها تعزيز حب المادة من خلال تفاعل التلميذ مع الرياضيات، تنمية تفكير الأولاد في الحساب الذهني والتمارين المرتبطة بالحياة الواقعية”. اضاف: “هذا يترجم من خلال تنظيم مسابقات مرتبطة بمناسبات إسلامية عدة وأخرى عن يوم الصم ويوم العصا البيضاء ويوم المبرات والتعليم للجميع”.
وللكومبيوتر وفقاً للحسيني “برنامج ناطق للمكفوفين يستطيع من خلاله أن يجري امتحانات لمادة الرياضيات عبر الكومبيوتر”. وقال: “ثمة أدوات خاصة فيه للصم يمكن من خلاله أن يختار الجواب الأفضل لسؤال حسابي”.
ودخلت علينا التلميذة نور خزعل وهي من مدرسة النور للمكفوفين في المؤسسة والتي قالت إننا “لم نعد نستعمل الورقة لتعلم الرياضيات بل نستخدم وسائل يدوية تساعدنا في فهم معادلة ما…”.
وعندما طرحنا على الحسيني، ما هي المعادلة أجابنا قائلاً: “للهادي مشاريع علمية تهدف إلى ربط النظريات الرياضية المجردة في مشروع علمي يمكن للتلميذ أن يطبقها على أرض الواقع”.
وقد شجع هذا النجاح على تدريب معلمي “الهادي” للتمرس في التطبيق وهذا ما ذكره أستاذ الرياضيات – الحلقة الثانية حسين زعرور في شهادته قائلاً: “شجعني المشغل على تحضير دروس نموذجية وتعلم الاكتشاف…”.
من جهته، شدد الزين على تفوق التلامذة في مشاريع علمية داخل لبنان وخارجه، وقال: “منذ 10 أعوام، يشترك التلامذة في مشاريع تنظمها الجامعة الأميركية في بيروت وفي مباراة العلوم التي أقامتها اخيرا الهيئة الوطنية للعلوم في قصر الأونيسكو، حيث فزنا بجائزة الهيئة، وهي جائزة أنطوان حرب والمرتبة الأولى والميدالية الذهبية عن مشروع “الأصابع المنزلقة” وهو مشروع يعمل بواسطة أصابع اليد، يساعد في إجراء العمليات الحسابية في شكل مبسط لمساعدة المكفوفين والصم وذوي الصعوبات التعلمية في هذه العمليات الحسابية…”.
الأهم وفقاً للزين، “أن المؤسسة حصلت على المركز الأول للنهائيات الأوروبية 2014 في مسابقة تعليم الرياضيات عبر المسرح التي أقامتها منظمة
Le-Math الأوروبية والتي شارك فيها أكثر من 20 دولة أوروبية وأكثر من 400 تلميذ في نيقوسيا. وهذه المسابقة لتعليم الرياضيات تهدف إلى تنمية قدرات الجيل الناشئ في البحث العلمي وتمكينهم من إلقاء محاضرات في مؤتمرات خاصة بالرياضيات وربط الرياضيات بالحياة الواقعية، من مسرح، وموسيقى وأدب… إن مؤسسة الهادي بإحرازها إنجازاً أوروبياً تهدي هذا النجاح للبنان وللمبرات وهذا ما دفع الرئيس ميشال سليمان الى تكريم “الهادي” للمناسبة في القصر الجمهوري ومنح فريقها درعاً تقديرية للغاية…”.