أزمة المحروقات تتسلّل إلى غرف المسنّين وتُهدّد دور الرعاية:”ربنا الحامي”

Share on facebook
Share on twitter
Share on print

داخل أروقة دور رعاية المسنين أجداد وجدّات وأقارب وجيران. بعضهم منسيّ، وجدوا في غرفهم بيوتاً جديدة ومساحةً آمنةً يحتمون فيها من العوَز. لم تقسُ الحياة على المسنّين من قبل. العيشُ بكرامة، حيث الرعاية الصحية المتكاملة تضفي طمأنينة مفقودة في الخارج.

لم يكُن المسؤولون عن دور الرعاية في لبنان يتصوّرون أنّ أزمة استثنائية، قد تضطرّهم، في يوم من الأيام، إلى تخفيف مستوى خدماتهم تجاه مرضاهم. وهم الذين حرصوا، على مدى السنين، على تعزيز مكانة المسنين لديهم، ضمن جوّ أُسريّ متكافل.

أزمات لبنان قَصَمت ظهر القطاعين الطبيّ والاستشفائي مرات عدّة. جَهِد المعنيون للخروج بأقل خسائر ممكنة مع كلّ تحدٍّ جديد، إلى أن وصلت حياة المرضى إلى خطر محتّم، في الأسابيع الأخيرة، بفعل انقطاع #المحروقات واحتكارها، وهي المورد الأول لتشغيل المرافق الصحية.

هواجس عديدة ومُحقّة تراود المسؤولين عن هذه المؤسسات الرعائية. بين بيروت والجنوب، الصرخة واحدة، وسط خوف من العجز عن تقديم خدمات مُثلى لمرضاهم. كيف هي حال المسنين اليوم، وقد باتوا أمام تهديد جدّي بتراجع مستوى خدماتهم الصحية جرّاء أزمة المحروقات؟ وأيّ تحدّ تواجهه مؤسسات الرعاية لتأمين مستلزماتهم على أكمل وجه؟ وكيف يُنظَر إلى استمرارية عملهم إذا لم تُؤمّن آفاق للحلّ قريباً؟


داران أساسيان لرعاية المسنين في لبنان خرجا إلى الضوء مع تفاقم أزمة المحروقات. دار “الأمان” للمسنين التابع لـ”جمعية المبرات الخيرية”، في منطقة العباسية جنوب لبنان، والذي أطلق صرخة للمنشآت المعنية لتزويده ب#المازوت، بعدما شارف مخزونه على نهايته منتصف آب الماضي، ومعه مستشفى “بهمن” في الضاحية الجنوبية. وتالياً، دار “العجزة الإسلامية”، خلف المدينة الرياضية في بيروت، الذي وَقع تحت ضغط كبير ليل السبت الفائت، جرّاء نفاد المازوت من مولداته، ما استدعى مبادرة عاجلة من اللواء عباس إبراهيم لتزويده من حصّة الأمن العام تفادياً لكارثة صحية.

الرعاية الصحية حلقة متكاملة تبدأ من المرضى وترتبط بالموظفين، إلى الغذاء والأدوية والأطباء والمحروقات، وأيّ اختلال في إحدى حلقاتها سيؤدي حتماً إلى خلل كامل بباقي السلسلة، وهذا ما يتّفق عليه المعنيّون في دارَي “الأمان” و”العجزة الإسلامية”.

دار “الأمان” للمسنين- العباسية

أزمة المحروقات أثقلت كاهل دار “الأمان” منذ أسابيع، والذي يتغذّى “حصراً من احتياطي مؤسسات (جمعية المبرات) الأخرى، بعد وعود عدّة من جهات رسمية لتأمين المازوت لم تُنفّذ، إضافة إلى تأمين مستلزمات مالية وطبية من إدارة الجمعية”، وفق ما يؤكد مدير الدار أسعد حيدر في حديث لـ”النهار”.

اضطرّ القائمون على الدار لاتّخاذ تدابير عدّة بديلة واعتماد التقنين في الخدمات لإطالة عمر المركز، كإطفاء المكيّفات في الأقسام وتوقيف المصعد الكهربائي. “الإجراءات القاسية”، كما وصفها حيدر، تؤثّر سلباً على أهداف الدار الرئيسية، إذ إنّ “تراجع أيّ خدمة يقدّمها يجعله أقل من مركز صحيّ شامل”.

يُقدّم دار “الأمان” للمسنين خدمات لـ75 مسنّاً على مدار الـ24 ساعة، ضمن ما يُطلق على تسميته “عناية ملطّفة”. الخوف الأكبر اليوم يكمن في تهديد الأمن الغذائي وتأمين السلع بالجودة المطلوبة للمسنين، إذ تحتاج المواد الأساسية من اللحمة والدجاج والمشتقات الأخرى إلى التبريد. ويقول حيدر إنّ “المحيط الذي نشتري منه السلع الأولية يُقنّن الكهرباء، ما اضطرّنا إلى استقدام برادات إضافية لتخزين موادنا الخاصة، وهذا ما يتطلّب كهرباء متواصلة لضمان تبريدها”.

يعمل دار “الأمان” كلّ يوم بيومه، في هذه المرحلة، مع وجود احتياطيّ من المازوت لـ15 يوماً فقط. “قادرون على الاستمرار بنسبة 50 إلى 60 بالمئة، وبعدها قد نضطرّ إلى إقفال أقسام والتواصل مع أولاد المسنين لإعادتهم إلى بيوتهم حيث المعاناة أكبر، ما يشكّل تهديداً لوضعهم الصحي بلا كهرباء ولا خدمات صحية جيّدة”.

لا يسير عمل الدار بشكله المعتاد، بعدما دأب، منذ تأسيسه عام 2005، على تقديم أفضل خدمة صحية لمرضاه. عمل المركز الصحي يبدأ منذ الصباح، بمتابعة العلاجات المطلوبة يومياً للمرضى، إلّا أنّ انقطاع البنزين أثّر أيضاً على وصول الموظفين والأطباء إلى عملهم. يؤكد حيدر أن “مواجهة صعوبة أساسية باستمرارية الخدمات الطبية، بسبب عدم قدرة الأطباء على التنقّل، واقتصار التواصل معهم عبر الهاتف، حتى في الحالات الطارئة ليلاً”. وضمن الإجراءات الطارئة، أعدّ الدار برنامجاً خاصّاً للموظفين بآلية عمل 15 يوماً لكل مجموعة، مع تخصيص فريق لنقل الممرضين من بيوتهم يومياً، لتعذُّر وصولهم بسبب انقطاع البنزين في الجنوب.

موقع دار “الأمان” في بلدة العباسية الجنوبية، بعيداً من مركز المدينة، ضاعف الأزمة، وهو ما يصفها حيدر بـ”المعاناة الواقعية لا النظرية”، مطالباً “الوزارات المعنية من الصحة والشؤون الاجتماعية والطاقة النظر إلى احتياجاتنا، في ظلّ غياب تام لنواب المنطقة والبلديات”.

دار “العجزة الإسلامية”- بيروت

الحال في دار “العجزة الإسلامية” تبدو أفضل مع إصرار مسؤوليه على بثّ أجواء إيجابية وتفاؤلية برغم صعوبة المرحلة. الدار المعروف منذ عقود في لبنان، بخدماته الطبيّة المميّزة وتعاونه الدائم مع المستشفيات الأخرى، خلق شراكة مع مرضاه البالغ عددهم اليوم 500 شخص. صاروا عائلة واحدة، معروفون جميعاً بالأسماء، ومهما اشتدّت الظروف” لن نتركهم”.


وكسائر المراكز الصحية، يقدّم دار “العجزة الإسلامية” “عناية ملطّفة” على مدار الساعة، وهو ما يستدعي تأمين العناصر المتكاملة من المازوت والأدوية والطاقم البشري. يؤكد مدير العلاقات العامة جلال شبارو لـ”النهار” ألّا “مخزون إضافيّاً لدينا من الأدوية والمستلزمات الطبية في المستودعات، ونؤمن حاجتنا في الوقت الحالي من هبات المؤسسات الأهلية والمنظمات الدولية، ولا نعتمد على وزارة الصحة، أما المازوت فنعيش كل يوم بيومه”.

 ماذا حدث ليل السبت؟ يقول شبارو إنّ “تهديداً جديّاً بإطفاء المولدات استدعى إنذاراً بعد نفاد المازوت، ما دفع اللواء إبراهيم للمبادرة فوراً وتأمين نحو 3000 ليتر مازوت تكفي ليوم واحد، وكمية أخرى مماثلة صباح الإثنين”، مؤكداً “عدم إطفاء المستشفى أبداً إلى اليوم، و(ربنا الحامي)، فكلّما نصل إلى مرحلة معينة من الضيق تُفرج بالمساعدات. أمّا نقابة المستشفيات، فتساعدنا أيضاً بتأمين المازوت بالسعر الرسمي”.

ينظر شبارو إلى الواقع بتفاؤل، آملاً في إمكانية حل أزمتَي البنزين والمازوت في الأسبوعين المقبلين، مع التأكيد “ألّا خطة مستقبلية لنا، وندير الأزمة الراهنة أسبوعاً تلو الآخر”. يقول لـ”النهار”: “إذا تفاقم الوضع ولم تُفرغ البواخر المشتقات النفطية فمصيرنا مثل باقي المستشفيات”.

الخوف من تهديد الأمن الغذائي الذي عاناه دار “الأمان”، لا ينسحب على أروقة “الدار الإسلامية”، إذ إنّ تأمين السلع الغذائية لا يزال بمستويات جيدة، والكهرباء لا تنقطع عن البرادات”، وفق شبارو.

علاقة الدار مع الموظفين قائمة على الوفاء لعملهم منذ سنوات، ما انعكس تسامحاً بعدم التشدد بساعات العمل. يقول شبارو: “نتفهّم أزمة البنزين، فقد يضطرّ الموظف للتأخّر صباحاً أو للمغادرة قبل نهاية الدوام للحاق بالفان، وثمة من يضطر للخروج عند الرابعة فجراً من منزله لتعبئة البنزين قبل الوصول إلى عمله”.

 قد يكون تنقّل الطبيب في بيروت أسهل من المناطق الأخرى والقرى، خصوصاً أنّ الموقع الجغرافي للدار بالقرب من مواقف الكولا للنقل يساهم بتأمين المواصلات بسرعة أكبر، إذ لم يواجه دار “العجزة الإسلامية” صعوبة حادّة بوصول أطبائه إلى الآن، كما يحصل في دار “الأمان”. من هنا يطلق شبارو وحيدر صرخة متكرّرة، عبر “النهار”، كان نقيب الأطباء شرف أبو شرف قد طالب بها مراراً، بتخصيص محطّات محروقات للأطباء والطواقم الطبية في أسرع وقت، لما يشكّله عملهم من ضرورة في هذه المرحلة الصعبة في لبنان.

المصدر: صحيفة النهار

الكاتب: بتول بزي

اأخبار ذات صلة