أقامت جمعية المبرات الخيرية حفل إفطارها السنوي في ثانوية الرحمة في كفرجوز – النبطية، في حضور فاعليات اجتماعية وحزبية وتربوية وبلدية وعلماء دين، وحشد كبير من المدعوين من معظم أقضية الجنوب.
افتتح الحفل بكلمة ترحيبية لمدير العلاقات والتكفل في المبرات جعفر عقيل، شكر فيها الحاضرين والداعمين لاستمرارية مسيرة المبرات.
فضل الله
ثم كانت كلمة لرئيس جمعية المبرات الخيرية، السيد علي فضل الله قال فيها: “إن من أهم ما ننعم به في هذا الشهر المبارك مثل هذه اللقاءات، حين نجتمع بتنوعاتنا على مستوى الأديان أو المذاهب أو المواقع السياسية أو الثقافات. لنلتقي على الإنسان، بأن نعمل على أن نخفف من معاناته وآلامه وإحباطاته، ليشعر بالأمان والأمل والقدرة على تحقيق الأماني والطموحات”.
أضاف: “ان الشهر الذي ينسب إلى الله، لا بد من أن يكون شهرا لانفتاح الناس على بعضهم البعض. هو شهر للقاء على الخير والمحبة والإنسانية. فمن غير الجائز عند الله أن يكون الإنسان مؤمنا وهو مغلق على ذاته أو لا يتحسس آلام الناس من حوله. فلا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ولا يبلغ الإنسان القمة في العبادة، إلا إذا صار مشاء في حوائج الناس”.
وتابع: “ان من أهم أهداف الصوم الذي هو فريضة على الناس في كل الديانات السماوية، هو أن يتحسس الأغنياء آلام الفقراء، ليشعروا معهم، وليدفعهم هذا الشعور إلى أن يساعدوهم في سد حاجاتهم وفي حل مشكلاتهم، ومشكلتنا في أن الكثير ممن هم في مواقع المسؤولية، لا يتحركون لحل مشاكل الناس، لأنهم لا يعيشونها. وعندما نشعر بقيمة الإنسان، لن تحصر لقاءاتنا في شهر رمضان، وبحدود ما نلتقي عليه، بل ستكون لقاءات شاملة وممتدة عبر الزمن”.
وأردف: “إن من حق إنساننا علينا، ولا سيما إذا كنا في مواقع المسؤولية، أن يعيش كما يعيش الآخرون، وأن ينعم بالرعاية الكاملة والكرامة كما ينعم الآخرون، ويحظى بفرص العلم والتطور والنجاح كما يحظى الآخرون، فنحن لا ينقصنا المال ولا العقول ولا القدرات، ولا تنقصنا القيم الدافعة لذلك. ولكن ما ينقصنا هو التخطيط. ما ينقصنا هو التحرر من الأنانيات والمصالح الضيقة. ومن الحسابات الشخصية والطائفية والمذهبية التي تقتات من واقعنا. ما ينقصنا هو الإرادة الصادقة في مواجهة الفساد الذي أدمناه، والذي يهدر الكثير من قدراتنا. ما ينقصنا ونراه الأساس هو أن نتحسس آلام هؤلاء الناس، وأن نصغي إلى آهاتهم ومعاناتهم، وأن نستجيب لتطلعاتهم”.
وقال فضل الله: “عندما نزعنا كل الحسابات التي باعدت بيننا، عاد كل منا إلى إنسانيته وغيرنا واقعنا. ويكفي شاهدا على ذلك، هذه الأرض التي نقف عليها. عندما توحدت جهودنا جيشا وشعبا ومقاومة، وانصهرنا على مستوى الوطن وشارك كل بجهده، وقدم ما عنده، فاستطعنا أن نحرر أرضنا، وأن نخرج عدوا عجزت عن مواجهته جيوش وقوى تملك أكثر مما نملك على مستوى المال والعتاد والإمكانات. أما الشاهد الآخر على ذلك، فهو هذه المؤسسات وكل المؤسسات المماثلة، التي بنيت لتستمر بفضل الله أولا، ومن خلال تضافر جهود الخير. ونحن قادرون على أن نبني وأن نعطي أكثر إن تعاونا وقررنا أن نخرج من فرديتنا إلى عقلية الأمة، بحيث يسند بعضنا البعض، ويقوي بعضنا البعض، ونبعد كل شياطين العصبيات والحساسيات عن واقعنا”.
أضاف: “ان المرحلة الراهنة بحاجة إلى تعميق اللقاء بكل تنوعاته على مختلف المستويات وكل المواقع، لمواجهة الفتن التي يراد لها أن تعبث بواقعنا، وأن تدخل كل ساحاتنا، وأن تسقط كل مواقع القوة فينا، وأن تفقدنا كل ما جنيناه واكتسبناه، وهي لن تكون أبدا لحسابنا، ولن يكون فيها رابح، فالكل في الفتنة خاسر، وواهم من يظن أنه سيربح من خلالها. فمن سينتصر هم أولئك الذين يأتون إلينا بعد أن نكون قد تعبنا وأثخنا بالجراح، كما هو الواقع في كل الحروب والتوترات التي تجري في سوريا واليمن والعراق وليبيا، لتأتي بعدها دول القرار في العالم، ليتقاسموا الجبنة فيما بينهم، ومعهم الكيان الصهيوني، من خلال تحالفاته التي باتت مع الشرق والغرب، وليرسموا حدودا تتطابق مع مصالحهم ومع إبقاء يدهم الطولى، لا يد شعوب هذه المنطقة وخياراتها”.
وتابع: “تكمن القدرة على رد كيد سعاة الفتنة عندما نكون واعين، فلا نسمح لأحد بأن يتلاعب بنا عندما نستحضر قيمنا ومبادئنا الجامعة، وعندما نؤكد أن ما نلتقي عليه كبير، وهو أكثر مما نختلف عليه، عندما نخرج من استحضار كل أحقاد التاريخ الذي أدمناه وأحقاد الحاضر التي ننتجها، من خلال كلماتنا وأفعالنا وشعاراتنا التي نريدها أن تستفز مشاعر الآخر لا التي تحرك عقله. وعندما نتجاوز مصالحنا الضيقة، ليكون شعارنا دائما ما قاله الإمام علي (ع) “لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين”، وعندما يفكر كل منا أن قوته لن تحصل بإضعاف الآخرين، بل بحفظ قوتهم. عندما تكون لغة الحوار أقوى من لغة السلاح، والرفق أقوى من العنف، عندما لا نضيع الأهداف ونستبدل الأحباء والأعداء”.
وأردف: “ينبغي لنا أن نتعظ من تاريخنا، حين كنا نتقاتل في الحرب الأهلية، وكان كل فريق يظن أنه بذلك يثبت وجوده ويحمي نفسه، وربما يوسع نفوذه، وتبين لنا أننا كنا نبني بذلك قصورا للآخرين على أنقاض بيوتنا ودمار واقعنا. وعندما تحقق لهم ما يريدون، هدأت الحرب وفرضت التسويات. صرنا في هذه المنطقة الكرة التي يتقاذفها الكبار، ومع الأسف نحن اللاعبون والخلاص من المأزق الراهن المستعر في المنطقة، لن يكون باستمرار نزيف الدم والدمار، بقدر ما يكون بتحريك عجلة الحوار بين الدول المؤثرة في هذه الحروب التي تفتك بالجميع”.
وقال: “يجب ان تحرص القوى الداخلية على تسهيل الفرص التي تؤدي إلى بناء دولة الإنسان، بحيث يشعر فيها الإنسان بإنسانيته وبكرامته، مهما كانت طائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي. وأن نعيد للأديان سماحتها وإنسانيتها ورحمتها، في مواجهة الذين يريدون استغلال هذه الأديان لتنفيذ مشاريعهم وتقوية كياناتهم وتعزيز نفوذهم، وهذه مسؤولية المرجعيات الدينية، ولا سيما الإسلامية، بتنوع مذاهبها. أن تقف المذاهب الإسلامية صفا واحدا لمواجهة هذا الإرهاب الذي شوه الإسلام وضرب مصالح المسلمين، والذي لن يكون لحساب هذا المذهب أو ذاك، وإن استخدم شعارات مذهبية”.
أضاف: “لاستنفار كل الجهود لتدعيم ركائز البلد السياسية والاقتصادية والأمنية، لمواجهة التحديات التي تواجهه أولا من العدو الصهيوني الذي نسيناه وهو لم ينسنا، ولا يزال ينتظر الفرصة السانحة للانقضاض علينا، ومن الإرهاب بكل تلاوينه والذي يضرب في كل اتجاه، أو من العقوبات المالية الأميركية أو غير الأميركية، فضلا عما يجري في المحيط من حولنا، وهذا لا يتم إلا بالتماسك الداخلي وبتعزيز مناخات الحوار على كل المستويات، ولا سيما إعادة بناء الدولة بعد معالجة الشلل الذي بات يطاول كل المؤسسات”.
ورأى أن “الطريق الأساس لمعالجة كثير من مشكلاتنا، هو في العودة إلى إنسانيتنا، وقال الامام علي:اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم”.
وختم: “أدعو إلى عقد مزيد من اللقاءات التي نجدد فيها معا العهد في أن نحمل هذه الأمانة الإنسانية، ونكمل معا المسيرة التي تحفظ هذه المؤسسات، ونتحمل سويا مسؤولية تطويرها والحفاظ عليها وترسيخها، حتى تعطي أكثر ونريد لهذا العطاء أن يكون بعيدا عن الحدود والحواجز التي يصطدم بها واقعنا”.