ألقى مدير عام جمعية المبرّات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله كلمة في مجلس المديرين التعليمي تطرق فيها إلى محاولات الخروج من تداعيات العدوان الإسرائيلي على الوضع التعليمي، تحديد أولويات العملية التعليمية التربوية، في مبرة السيدة خديجة الكبرى وجاء في كلمته ما يلي: نلتقي في هذه اللحظات المؤثرة التي نجتمع فيها بعد محنة ثقيلة وحرب غاشمة عصفت بنا جميعاً بعد انقطاع فرضته علينا ظروف عصيبة، اختبرت صبرنا وعزيمتنا كإداريين وتربويين، واختبرت قوتنا كأشخاص في عمق إنسانيتنا. ورغم كل الصعوبات، ظل ايماننا برسالتنا راسخاً وإرادتنا لمواصلة المسيرة ثابتة. أي إنّا ظللنا ثابتين على إيماننا برسالتنا وإرادتنا في مواصلة المسيرة. إن هذا الاجتماع اليوم بشكل نقطة انطلاق جديدة للتشاور حول تحديد الأولويات بما يعيد التوازن للعملية التعليمية ويضمن استدامة مؤسسات المبرّات.
أرحب بكم جميعاً، ونحن الذين تحمل في قلوبنا هموم المدارس والطلاب ونملك من العزيمة ما يكفي لفتح أبواب الأمل مجدداً أمام أجيال تنتظر منا الكثير. في هذا اللقاء لن تكتفي بإحصاء ما فات بل سنعمل بروح الفريق على تحويل هذه الفترة إلى درس في إعادة التأقلم وفي كيفية الانتصار للتعليم والقيم الرسالية رغم الصعاب”.
أيها الأحبة، قبل وقوع الحرب كنا قد عقدنا مؤتمراً بعنوان “التربية الشخصية والقيم في قلب التعلم مدخل إلى المواطنة الصالحة” وقد صدر عنه مجموعة من التوجهات التي تخص مدارسنا والتي يتعلق البعض منها بتفعيل القيم ودمجها في جميع الأنشطة التعليمية الطلابية كما تطرقت التوجهات إلى أهمية برامج الذكاء العاطفي والاجتماعي ورعاية الموهوبين والاهتمام بدوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من المواضيع التي تسهم في بناء شخصية المتعلم بشكل متكامل، هذه التوصيات ستكون جزءا مهما من خططنا المستقبلية ونحن اليوم نعيد توجيه اهتمامنا بها لضمان دمجها في كل ما نقوم به في مؤسساتنا التعليمية.
نحن نعلم جيداً أن كلا منكم قد حمل مهمات متعددة، سواء في إدارة الأزمة داخل المدارس والمعاهد أو في متابعة الظروف المحيطة بالتلاميذ وبالعاملين. ولهذا، أود أن أؤكد لكم أن هدفنا اليوم هو التعاون والتشاور في إعادة رسم مسارات العمل بما يراعي الواقع ويستثمر الوقت المتبقي من العام بأفضل صورة ممكنة من دون أن تعمل عن الجانب الإنساني الذي يظل جوهر عملنا.
إن إصرارنا المشترك على تخطي الأزمات وتحقيق أقصى استفادة مما تبقى من العام الدراسي سيعيد نبض الحياة إلى مدارسنا، ويعيد للمعلمين والتلاميذ الشعور بالأمان والاستقرار، ولأولياء الأمور الثقة بأننا على قدر عالي من المسؤولية.
لقد مررنا جميعا بفترة عصيبة أثرت بشكل كبير على سير العملية التعليمية في مدارسنا فالوضع التعليمي اليوم ليس بأفضل حالاته وليس كما كان قبل الأزمة، حيث أدى الانقطاع الطويل للدراسة إلى تعطيل المناهج التعليمية لفترات طويلة تجاوزت أكثر من 45 يوماً من التعليم الفعلي هذا الانقطاع أسفر عن فجوة تعليمية ملحوظة في معظم الصفوف. ورغم جهود المعلمين والمشرفين التقديم المحتوى التعليمي عن بعد، إلا أن هناك جوانباً عديدة من العملية التعليمية لم تصل إلى مستوياتها المعتادة من الفعالية بسبب الضغوط التي واجهها الجميع من المعلمين والتلاميذ إلى الأهالي لذا، يتطلب الوضع اليوم استنفار الجهود والعمل على معالجة هذه الفجوة التعليمية بشكل فوري إذ أن الجميع يدرك تماما مخاطر هذه المرحلة وأبعادها.
لذلك ولمعالجة الفاقد التعليمي، من الضروري وضع خطة متوازنة تهدف إلى تعويض الفاقد لدى كل تلميذ بوجود ملف تراكمي خاص بكل تلميذ ذو حاجة لذلك، كما يجب تحديد الأولويات لضمان تغطية المحتوى الأساسي في المواد التعليمية، مع التركيز على المهارات الأساسية التي تساعد التلاميذ لمواصلة تعلمهم فإن كل ذلك يتطلب إعادة هيكلة محتوى المناهج بطريقة مرنة، مع إمكانية تعديل التوزيع الزمني والمحتوى التعليمي بما يتناسب مع ظروف التلاميذ دون زيادة الضغط عليهم.
وهذا ما يعمل عليه الإشراف التعليمي ومديرية التربية والتعليم، مشيرين إلى العمل على الاستفادة من الأيام المتبقية من العام بالتركيز على المهارات الأساسية في كل مادة، وتعزيز التعليم التفاعلي والتعلم النشط عبر الأنشطة الصفية التفاعلية، وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري تفعيل برامج الدعم النفسي والاجتماعي لجميع أفراد المجتمع المدرسي لأن إهمال الجانب النفسي قد يؤدي إلى انخفاض الدافعية ويزيد من التحديات التي يواجهها التلامذة والمعلمون.
ونود الإشارة إلى تعزيز التواصل والتعاون بين المؤسسة وأولياء الأمور لتحديد احتياجات التلاميذ بشكل أفضل والبحث عن طرق لدعمهم سواء من خلال التدخل معهم في المدرسة أو في المنزل، فإن إدراكنا أيها الأحبة لدور الأسرة كشريك رئيسي في العملية التعليمية يضع على عاتقنا مسؤولية بناء قنوات تواصل فعالة ومستدامة معها، ما يضمن رؤية مشتركة تسهم في تحقيق أهدافنا التربوية ويجب أن تكون هذه الشراكة مبنية على التفاعل المستمر والثقة المتبادلة بحيث يتم تزويد الأهل بالارشادات والأدوات اللازمة لدعم تعلم ابنائهم في المنزل ومساعدتهم على تجاوز التحديات النفسية والاجتماعية التي قد يواجهونها نتيجة الظروف الاستثنائية التي مروا بها.
ومن جهة اخرى الاستمرار ببرنامج معلم ما قبل المهنة من خلال توفير تدريب مستمر للمعلمين لا سيما الجدد منهم لتأهيلهم التعامل مع التلاميذ لاسيما الذين يعانون من صعوبات وتطوير مهاراتهم في بناء جسور التعاون مع الأهالي، إضافة إلى تفعيل دور قسم الارشاد التربوي. هذا التكامل بين المدرسة والأسرة يعزز البيئة التعليمية ويجعلها أكثر دعمًا واحتواءً للتلاميذ، مما يساهم في خلق مناخ التعليمي مستقر ومثمر.
وفي جانب آخر ندرك جميعاً أن الأنشطة اللاصفية جزء أساسي من تكامل العملية التعليمية حيث تسهم في تنمية شخصية التلاميذ وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية. ومع تأثير الانقطاع الذي حصل تم تأجيل العديد من الأنشطة والفعاليات المدرسية التي كانت تساهم في تنشيط روح التعاون والتنافس وتعزز القيم كافة. لذا، من الضروري إعادة تنظيم هذه الأنشطة لتعويض ما فات، مثل الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية التي تتيح للتلاميذ التعبير عن أنفسهم. كما يجب أيضا التركيز على تفعيل أنشطة الذكاء العاطفي والاجتماعي، مما يساهم في إعادة التلاميذ إلى بيئة مدرسية صحية ويتيح لهم التعبير عن مشاعرهم وتحقيق التوازن بين حياتهم الدراسية والشخصية.
بما أن مدارس المبرّات تشكل وحدة متكاملة يفترض أن يكون لها تعاون مشترك في مجالات تختصر الوقت والجهد والنفقات وهذا ما أود الإشارة إليه بضرورة التعاون المشترك بين المدارس في عملية التدريس من بعد Online للتلاميذ الذين يرغبون في هذه الخدمة وتعيين منسق في كل مدرسة لذلك.
فيما يتعلق بالوضع المالي للعاملين، لا يخفى على أحد أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي فرضتها الحرب قد أثرت بشكل كبير على الوضع المادي للجميع، بدءا من العاملين في مدارسنا مروراً بالمؤسسات التعليمية التي تأثرت بشكل مباشر جراء عدم استلام الأقساط المدرسية من الأهالي، وصولاً إلى توقف العديد من المؤسسات الإنتاجية عن العمل بشكل كامل. كل هذه العوامل أدّت إلى اتخاذ إجراءات مالية استثنائية، وللأسف، أصبح بعضها محل اللقاء من بعض العاملين الذين اعتبروها مجحفة.
ففي إطار مسؤوليتنا وحرصنا على الشفافية، نؤكد وقوفنا إلى جانب جميع العاملين في المبرّات في السلم والحرب، ونؤمن أن التعاون والصبر هما السبيل للتغلب على هذه التحديات. نقدر تماماً ما يواجهه كل فرد من صعوبات ونتمنى أن يتفهم الجميع الظروف الاستثنائية التي دفعنا اليها الواقع الصعب.
نتطلع إلى عودة العجلة الاقتصادية إلى مسارها الطبيعي ما يعيد لنا القدرة على الوفاء بالتزاماتنا المالية وفق جدول الرواتب المعتمد، مع تأكيدنا العميق أننا ملتزمون ببذل المزيد من الجهود ضمن أقصى إمكانيات المبرّات لتوفير بيئة عمل حاضنة لجميع موظفينا، وأننا نعمل بكل جهد لضمان أن تكون حياة أسرة المبرّات حياة كريمة بحيث يتناسب ذلك مع احترامنا واعتزازنا بكل فرد من أفراد هذه المؤسسة.
ختاماً أيها الأحبة، كما كانت رحلة السيد المسيح عليه السلام الذي نحتفل بذكرى ولادته اليوم مليئة بالصبر والصلابة في مواجهة التحديات، فقد تحملنا نحن أيضا في قلب هذه المحلة، صبراً لم يضعف وأملاً لم يخبو. صبرنا كان تجسيداً لإيماننا برسالتنا، وكان مرشدّنا نحو النهوض من جديد تماماً كما فعل السيد المسيح (ع) الذي سلك طريق الألم بحبٍ عميق محققاً في صبره أجمل الصور الإنسانية.
أيها الأحبة، على عتبة بداية جديدة، نتذكر تلك الليالي العصيبة التي اختبرتنا جميعاً، أثبتنا فيها أننا لا نرضخ للصعاب. نرفع رؤوسنا لنتطلع إلى المستقبل بعزيمة لا تلين. فنحن كما هو الحال دائماً، ثابتون لا تتراجع عن رسالتنا بل نواصل المسير بكل شجاعة، عاقدين العزم على أن نعيد لكل مؤسسة ولكل فرد من أسرة المبرّات ولكل تلميذ الأمل والإنسانية والروح المعطاءة التي لا تضعف مهما كانت الظروف.
ان طريقنا في التعليم هو طريق قيم ومبادئ، نزرعها مع كل درس، وكل كلمة، وكل خطوة. سائلين الله أن يعيننا على أن نكون كما كان السيد المسيح عليه السلام مثالاً في صبرنا، في حبنا، وفي سعينا الدائم لتحقيق الخير والنماء لأجيالنا القادمة.
شكراً لكم جميعا على جهودكم وأتمنى لنا جميعاً عاماً جديداً مليناً بالسلام والأمل، وأن نكون دائما في مسيرة واحدة، نبني ونربّي من أجل غدٍ أفضل”.