رأى العلّامة السيد علي فضل الله أنه ” لا يمكن أن نشهد التّغيير في واقعنا، إلا إذا شهدنا تغيّراً في عقلية الحاكم وعقليّة المحكوم على حدّ سواء، الكلّ لا بدّ أن يتغيّر حتى نعالج أزمات البلد السياسيّة، والتي أنتجت الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها.”
جاء ذلك في الإفطار السنوي الذي أقامته جمعية المبرّات الخيرية في مجمع ثانوية الكوثر ومبرّة السيدة خديجة الكبرى، بحضور حشد من الفاعليات السياسية والدينية والعسكرية والثقافية والحزبية والاجتماعية ورجال الأعمال، تقدّمهم الوزير منصور بطيش ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، النائب علي بزي ممثلاً رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيه برّي، الأستاذ فادي فواز ممثلاً رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سعد الحريري، والوزير محمود قماطي، الرئيس حسين الحسيني، والنواب: أيوب حميد، علي عسيران، غازي زعيتر، أنور جمعة، حسين جشي، ياسين جابر، الوليد سكرية، فادي علامة، مصطفى الحسيني، هاني قبيسي، عدنان طرابلسي، ووزراء ونوّاب سابقون، وممثلون عن رؤساء الطوائف والمرجعيات الدينية والروحية، وممثلون عن القيادات الحزبية والعسكرية والأمنية، وشخصيات دبلوماسية، ورؤساء بلديات، وشخصيات تربوية وطبية واجتماعية
بعد كلمة ترحيبية لمدير التكفل والعلاقات جعفر عقيل، وفيلم وثائقي عن الجمعية، وفقرة فنية لأطفال المبرّات، ألقى مدير عام جمعية المبرّات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله كلمة جاء فيها:
” المبرات ورغم الصعاب التي ما برحت تكابدها لم تهن ولم تتوان يوماً عن حمل مسؤولياتها بالتوكل على الله الذي يُزجي الخير ويفيضه على أيدي أهل الخير، فمسؤولياتها جسام لاسيما في رعاية الأيتام والحالات الاجتماعية الصعبة (4600 أربعة آلاف وستماية يتيم ويتيمة في عشر مبرات) و(620) ستماية وعشرين من المعوقين من صم ومكفوفين وحالات توحّد (الظاهرة اللافتة عدداً في لبنان) و(300) ثلاثماية من المسنين الذين ترعاهم حياتياً ونفسياً وصحياً واجتماعياً.. ولازالت تقدم المساعدات للمتعثرين في دفع أقساطهم وخاصة ممن تغيرت أوضاعهم الاجتماعية.. وقد وصل عدد تلامذة مدارس المبرات إلى (23000) ثلاثة وعشرين ألفاً في خمس عشرة مدرسة أكاديمية وخمسة معاهد مهنية.. هذه المدارس التي تميزت بخدمة الدمج التربوي لألفٍ وأربعماية وثمانين (1480) مستفيداً من ذوي الصعوبات التعلمية”
وأضاف:” لا يزال دعم المدارس والأهل المتعثرين مادياً مستمراً مع الأوضاع الاجتماعية التي تزيد صعوبة عاماً بعد عام. كل ذلك فضلاً عن التقديمات الصحية للعديد من المحتاجين في بيروت والمناطق، وسوف يتم افتتاح مركز متطور لجراحة وأمراض العين في مستشفى بهمن قريباً إن شاء الله.”
ولفت إلى أن :” النفقات بلغت العام الماضي لكل ما ورد من حالات إنسانية (27,281,000) سبعة وعشرين مليوناً ومئتين وواحد وثمانين ألف دولار، بزيادة تصل إلى 8% عن العام الذي سبق، هذا عدا عن المساعدات الصحية ونفقات بناء المؤسسات وتحديث أقسامها واستحداث مرافق جديدة فيها.”وختم:” ستبقى المبرات على العهد تواجه التحديات بالسعي الدؤوب لتقديم الأفضل والأرقى والأكثر فائدة تتكامل وتتعاون مع مؤسسات الخير وأهل الخير من دون أن يكون لها ارتباط بأية جهة سياسية أو بأية دولة، وتسعى لخدمة مجتمعها وأهلها منفتحة على كل مكونات الوطن بعيداً عن الطائفية والمناطقية والفئوية والعصبية.”
العلاّمة فضل الله
بعد ذلك ألقى رئيس جمعية المبرّات الخيرية سماحة العلّامة السيد علي فضل الله كلمة جاء فيها:” من غير المقبول أو الدقيق، أن يصوِّر البعضُ الدّينَ، بكلّ ما يمثّله من قيم ومبادئ أخلاقيّة وإنسانيّة، سبباً لتوتّرات الحياة، أو مشكلة للتّعايش الإنساني، أو منبعاً للإرهاب والقتل الذي شهدناه ونشهده، ولايزال يعبث في الكثير من بلداننا. نعم، لطالما استُخدم الدّين كمطيّة لتعقيدات البعض ومشاكلهم وأطماعهم، ودائماً تثبت الوقائع أنّه عندما يَخمد النّزاع السياسيّ، يخمد معه النزاع المذهبي أو الصّراع الديني.”
وقال:” ما عانيناه ولانزال نعانيه في لبنان من مشاكل، لا يعود إلى الأديان في تنوّعاتها العقائدية أو الفكرية أو الفقهية، ولكن يعود إلى الطائفية بمعناها العشائريّ، وهذه الطائفيّة، كما كان يردّد السيّد محمد حسين فضل الله، ليست ديناً، بل هي عشائريّة لا تحمل حتّى قيم البداوة، وهي تتلبّس بلبوس الدّين، ولا تحمل قيمه ولا جوهره.”
وأكد أن:” بلداً كلبنان؛ بلد فسيفساء الأديان والمذاهب، يُفترض أن يكون صورة معبِّرة عن القيم الجامعة بين الأديان، وأن تكون هذه القيم حاضرةً على المستويات كافّة؛ من القاعدة حتى رأس الهرم.”
وأضاف:” ما كلّ ما نتمنّاه ندركه لأن الطائفيّة تجذَّرت في عقولنا وفي سلوكنا، وهي الّتي لطالما أمّنت، ولاتزال تؤمِّن، الغطاء للفاسدين والعابثين، وأفرزت كلّ هذا الواقع السيّئ الذي نحن فيه، فأصبح البلد بقرةً حلوباً لتأمين مصالح وأهداف خاصّة، ومدخلاً للوصول، وباباً للتّمييز بين الناس وتكريس سلطة الأقوياء. والأصعب من كلّ هذا، هو أنّ محاسبة الأشخاص سرعان ما يُترجَم على أرض الواقع أنّه مسّ بالطائفة والدّين!”
وشدد على أنه:” لا يمكن أن نشهد التّغيير في واقعنا، إلا إذا شهدنا تغيّراً في عقلية الحاكم وعقليّة المحكوم على حدّ سواء، الكلّ لا بدّ أن يتغيّر حتى نعالج أزمات البلد السياسيّة، والتي أنتجت الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها. إننا نريد المسؤول المسؤول الذي يؤدّي دوره، ويعتبر موقعه أمانة وليس امتيازاً، ونريد الإنسان الذي يراقب ويحاسب ويتابع ويمارس دوره، ولا يجامل على حساب وطنه ومواطنيّته.”
وأشار إلى أن:” المشكلة اليوم ليست في ضعف اقتصاد هذا البلد وموارده الماليّة، فالبلد ليس فقيراً أو معدماً من حيث موارده الطبيعيّة والبشريّة، ولكنّ المشكلة باتت مركَّبة معقَّدة: عقليّة المحاصصة التي تشي بأنّ الجماعة والطائفة أهمّ من الوطن، والوطن هو مشاع ومال سائب ومهدور، فيما الوطن هو السّفينة التي إن غرقت غرق الجميع، كذلك وجود سياسات خاطئة عملت على بناء اقتصاد هامشيّ، لا تُعنى بالقطاعات الإنتاجيّة التي تحقّق النموّ وتخفّف من البطالة، واعتماد سياسة النموّ بالدَّين، فضلاً عن عدم فاعليّة الرقابة على المؤسّسات العامّة. والمفارقة أنّ لدينا مؤسّسات رقابيّة، ولكن يثبت الواقع أنها هي نفسها بحاجة إلى رقابة وإصلاح. وللأسف الشّديد، هذه مهزلة، والطائفية ليست ببعيدة عنها.”
وختم:” كلّ هذا يتمّ في ظلّ سعي حثيث، عن قصد أو غير قصد، لتهميش إنسان هذا البلد وتكبيله، بإرهاقه وجعله يلهث وراء حاجاته ومتطلّباته من جهة، وجعله مرتهناً لمن هم في مواقع المسؤوليّة من جهة أخرى.”