لم تتردد جمعية “فرح العطاء” يوماً في نشر المحبة والسلام بين أبناء الوطن، لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها لبنان. سعت امس الجمعية مع رجال دين سنة وشيعة ودروز ومسيحيين ومشاركة تلامذة من 11 مدرسة خاصة من الطوائف كلها إلى رفض الفتنة والسعي لردعها من خلال تشكيل سلسلة بشرية “تعبق” بالود والأخوة.
على وقع صوت الآذان وتوجه المؤمنين إلى الصلاة في المساجد السنية والشيعية في كل من مناطق البسطة وخندق الغميق، رأس النبع وشاتيلا، والتي عرفت في مراحل متفاوتة تشنجاً غير مسبوق بين الشيعة والسنة، تكاملت السلسلة البشرية لنماذج من شباب لبنانيين وبينهم علم لبنان.
الدعوة التي أطلقها مؤسس الجمعية ملحم خلف عبر خدمة الـ”واتس آب” منذ أيام تهدف وفق نصها، عبر سلسلة بشرية، إلى إظهار لبنان بـ”صورة بهية، بوحدة أبنائه في مواجهة الفتنة”. وقد سعت الجمعية إلى تحفيز الشباب للمشاركة في النقاط الآتية: أولاً، جامع الإمام علي بن ابي طالب في خندق الغميق وجامع البسطة الفوقا، ثانياً، جامع الصفا العاملية وجامع عبد الرحمن بن عوف في رأس النبع، وثالثاً، جامع الخاشقجي وجامع الإمام الصادق – مستديرة شاتيلا.
التجمع كان قرب جامع الخاشقجي، وصل بعض المنخرطين في صفوف جمعية “فرح العطاء” بهدف التشبيك في السلسلة البشرية والذين يعملون كمجموعات شبابية من أجل الآخر دون الغوص في “مصيدة” الطائفية أو التعصب المناطقي. لم يكترث الشباب للشمس الحارقة التي رافقت المسيرة بل جاؤوا بدينامية لافتة: حافلة لمدارس مؤسسة العرفان التوحيدية، وأخرى لتلامذة مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية التابعة لجمعية المبرات الخيرية وثالثة لجمعية المقاصد الإسلامية، الى مجموعة من تلامذة مدرسة راهبات المحبة – كليمنصو وآخرين.
توافد الشباب إلى نقطة اللقاء حاملين يافطات تندد بالفتنة أو تلخص عبر العلم اللبناني رفض الطائفية. تلاقى الجميع وفي محاذاتنا عدد من المصلين في الجامع. وقبل البدء بتنظيم السلسلة البشرية، تحدث محمد دياب من الجمعية إلى التلامذة عن أهمية المشاركة في هذا النشاط الشبابي الوطني معتبراً أن التحرك اليوم يفرض نفسه لمناهضة كل عنف بين اللبنانيين عموماً والمسلمين في المناطق الساخنة التي سنمر فيها. وطرح أمامهم سؤالاً قد يراود البعض عن جدوى هذه السلسلة، قائلاً بأننا لا نستطيع الصمت بإزاء ما يحصل، وتحركنا يفرض نفسه لأن علينا كجيل لبناني شاب أن نغلب العتمة ونكسر هالتها.
وفي الكلمات دعوة جمعية “فرح العطاء” للسلام والتماسك وتخطي الطائفية والتعصب. في المحطات الثلاث، أئمة المساجد الشيعية والسنية دعوا لنبذ العنف، للمحبة وللإيمان بلبنان. أما رجال الدين، ومن بينهم المسيحيون بطوائفهم والسنة والشيعة والدروز فواكبوا مسيرة السلام في لبنان، وطن الرسالة كما عرّف عنه القديس يوحنا بولس الثاني عندما زار لبنان خلال توليه سدة البابوية.
وقبل أقل من شهر على ذكرى 13 نيسان، يخشى الجميع من شرارة تنذر بعودة “بوسطة عين الرمانة” في مناطق ساخنة. تركنا هذه الأماكن التي شهدت امس على معنى السلام وضرورة ترسيخه في الوطن، من خلال مسيرة متنوعة طائفياً ومذهبياً. ونحن عاهدنا انفسنا، أننا كجيل حرب أضاع شبابه في الملاجئ، أننا لن نقبل أن يدفن النصف الآخر من عمرنا تحت وطأة القلق والعنف وهاجس هجرة أبنائنا إلى وطن آخر… هذه آمالنا المثالية جداً فأعذرونا إذا كنا نحلم لأن هذا ما بقي لنا في الزمن السياسي البائس.