نظمت الساحة- قرية لبنان التراثية ضمن برنامج “أمسيات” الشهري ندوة فكرية سلطت الضوء على جوانب من مشروع الإمام موسى الصدر وفكره في الذكرى الرابعة والأربعين لتغييبه ورفيقيه بحضور حشد من المهتمين والتي ادارها الإعلامي إبراهيم درويش…
استهلت الأمسية بتلاوة فضيلة الشيخ فؤاد خريس لآيات من القرآن الكريم ثم تحدث مدير المركز الإسلامي الثقافي السيد شفيق الموسوي عن العلاقة المتينة والقوية التي كانت تربط الإمام الصدر بالمرجع فضل الله(رض) سواء في النجف حيث درسا سويا وعملا معا في أكثر من جانب لإعادة الإسلام إلى الحياة حركة ومفاهيم، وإلى إظهار التشيع في صورة مشرقة وفاعلة…
وأضاف الموسوي: أن السيد عبد الحسين شرف الدين لما سأل الإمام الصدر من أفضل العامليين في النجف قال له السيد محمد حسين فضل الله وقد طلب الإمام الصدر من المرجع فضل الله أن يلقي قصيدة شعرية في حفل تأبين والده.
وتطرق الموسوي إلى الحملات الظالمة التي تعرض لها الإمام الصدر من جهات سياسية واقطاعية ودينية خافت على مواقعها ومراكزها ووقف المرجع فضل الله إلى جانبه مدافعا عن توجهاته، مشيراً إلى العلاقة القوية والاحترام الذي كان الرئيس جمال عبد الناصر يكنه للإمام الصدر وذلك لمواقفه الرسالية والوحدوية والقومية والوطنية، ما دفعه لأن يفتح له أبواب الأزهر وبفضله تم إعادة تدريس المذهب الشيعي فيه.
وختم الموسوي ان الإمام الصدر كان وحدويا منفتحا على كل المذاهب والأديان وصاحب فكر عميق ورؤية مستقبلية…
من جهته اعتبر سماحة السيد الدكتور جعفر فضل الله أن فرادة شخصيّة السيّد الصّدر تتصل بكونه صاحب رؤية انعكست في طريقة مقاربته للمفردات السياسية، فلم تستهلكُهُ السياسة بقدر اهتمامه بقضايا الإنسان الكبيرة؛ وهي لم تجعله بعيدًا عن ممارسة دوره كداعية للإسلام، ومبين لأطروحاته، وملبياً حاجات الناس إلى المعرفة وكان كما كثير من رموز ذلك الجيل، يعيشُ السياسة ثقافةً ودعوة، يحضُر فيها كتابُ الله وخطّ الأنبياء والأولياء والصالحين.
وتابع أنه كان صاحب أخلاقٍ لا يفسد الاختلاف في جزئيّات العمل أو في السياسة علاقاته وانفتاحه على الآخرين، وفي ذلك كان يعيش الصدر الرحب والعقل والواسع والخلق الكبير؛ وهذا جسرُ العبور.
ورأى أهمية إظهار كل الجوانب الفكرية والسياسية والقيمية لمثل هذه الشخصيات حتى تصل إلى الإنسان المعاصر بالوسائل المناسبة لافتا إلى أن الصدر لم يكن سياسيًّا إلا بمقدار ما كان متديّنًا، ولم يكن شيعيًا إلا بمقدار ما كان إسلاميًا، ولم يكن إسلاميًا إلا بمقدار ما كان رساليًا، ولم يكن رساليًا إلا بمقدار ما كان إنسانيًا في انفتاحه على الله المطلق.
وأشار إلى أهمية أن يعي هذا الجيل الذي لم يعاصره جسدًا مَن هو موسى الصدر؟ وما هي آفاقه؟ أفكاره؟ مجالاته التي أنتج فيها؟ تجربته؟ مواقفه وسياقاتها؟ مبادئه؟
وأوضح أن التغييب الفكري للصدر أشد ظلماً من تغييبه الجسدي، لأنه طمس ذلك الفهم المميز للإسلام والتشيع الذي كان يعيشه، وفي هذا المجال لا بد أن نتأمل كيف كان رأي السيد موسى الصدر في عاشوراء الحسين (ع)؟ وكيف كان ينظر إلى وظيفتها؟ وخطابها؟ وتجسّدها في حركة الواقع؟ وغير ذلك من الأمور.. وبالتالي أيّ خطابٍ لعاشوراء يُمكن أن يُحسب عليه؟ هل هو خطاب شدّ العصب المذهبي؟ أم هو عمل على اغناء الإسلام بالخطاب العاشورائي، ليقدم مذهب أهل البيت(ع) بالصورة التي تحتضن الآخر المذهبي، بعيداً عن أي انغلاق.
وتساءل هل الصدر كان يعيشُ العصبيّة لشخصه في زمانه؟ وبالتالي هل علينا أن نخلق اليوم عصبيّة حوله؟ أم كان يعيش التشيع انفتاحا على الإسلام والإنسانية والكون كله فيما اخذنا نحن نحصره في دوائر مغلقة تحت حجّة الانتماء الحزبي أو الحركي أو حتّى الديني المؤسّسي!
ثم تحدث المحلل السياسي توفيق شومان الذي توقف عند شخصية الإمام الصدر وتصوره لمستقبل الأزمة في هذا البلد، والتي حدد خطوطها انطلاقاً من دراسته العميقة لتاريخ لبنان ما جعله يحرص على بذل كل الجهود لإنقاذه على خلفية ان لبنان يمثل عصارة الحضارة الإنسانية وأن سقوطه هو ظلم للحضارة.
ولفت شومان إلى أهمية المكون الفلسفي في فكر الإمام الصدر وكيف اختزن الأبعاد الدينية والسياسية والدنيوية في توجهاته حتى قال أحد كبار رجال الصحافة اللبنانية ان الإمام الصدر هو وحده الذي يعرف الخط الفاصل بين الدين والسياسة وهو وحده الذي يعرف الخط الجامع بينهما.
وختم شومان بان الإمام الصدر ركز على ضرورة ارتباط السياسة بالأخلاق وان السياسة ليست مهنة لتحقيق المكاسب بل رسالة لخدمة الناس…
والمداخلة الأخيرة كانت للدكتور زكي جمعة الذي اعتبر ان شخصية الإمام ابعد من ان يحاصرها الزمان أو يحدها المكان فهو شخصية منفتحة على الحاضر والتاريخ والمستقبل بوعيه وطهارته وثقافته وعلمه مشدداً على أن نظرة الإمام الدينية لموقع الإنسان في الحياة ترتكز على كرامته وحريته وعزته، وعلى ان تقوم المجتمعات على العدل الذي هو هدف الرسالات السماوية…