عن المؤسس

ولد سماحة العلّامة السيّد محمد حسين فضل الله (رض) في العام 1354هـ/ الموافق 1935 ميلاديّة، في مدينة النّجف الأشرف، في أسرة علميّة معروفة بالعلم والأدب، يعود نسبها إلى الإمام الحسن (ع).

والده: آية الله السيِّد عبد الرؤوف فضل الله (قده)، الّذي كان من أكابر علماء جبل عامل، والّذي كان للمرجع فضل الله علاقة خاصّة به، وتأثّر به إلى حدّ بعيد.

والدته: كريمة الحاج حسن بزّي، الّذي يُعدّ من الوجوه الخيِّرة المؤمنة في بلدة بنت جبيل -جنوب لبنان.

عمّه: آية الله السيّد محمد سعيد فضل الله، والّذي كان يعدّ من العلماء الكبار في ذلك الوقت، وقد تأثّر المرجع فضل الله كثيراً به.

عاد إلى لبنان من العراق العام 1386هـ/ 1966م، فساهم بقوّة في العمل الثقافي والعلمي والسياسي والجهادي والتبليغي والدّيني في لبنان، ملقياً الخطب والمحاضرات والدّروس (ولا سيّما خطب الجمعة)، ومؤلّفاً لكثيرٍ من الكتب الفقهيّة والدينيّة والفكريّة والسياسيّة (أكثر من مئة مؤلّف)، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: “خطوات على طريق الإسلام”، “الإسلام ومنطق القوّة”، “مفاهيم إسلاميّة عامّة”، “دنيا المرأة”، “دنيا الشّباب”، “دنيا الطّفل”، “تفسير من وحي القرآن”، “موسوعة النّدوة”، وكذلك صدر أكثر من عشرين كتاباً فقهيّاً من أبحاثه العالية.

توفّاه الله في 22 رجب 1431 ه/ الموافق: 4 تموز/ يوليو العام 2010م، بعد صراع مع المرض، وبعد عمرٍ طويلٍ قضاه في العلم والعطاء والجهاد في سبيل الله.

عاش المرجع السيّد فضل الله (رض) مرحلة الطّفولة الأولى في مدينة النّجف الأشرف المقدَّسة، وتركت أثرها عليه في مناحيَ متعدّدةٍ، حيث بدأ سماحته الدّرس في “الكتاتيب”، واجتاز فيها مرحلة قراءة القرآن الكريم، وتعلُّم القراءة والكتابة، وبعض قواعد الحساب البسيطة.

ثم انتقل بعد الكتاتيب الّتي مكث فيها فترة وجيزة، إلى مدرسة عصريّة أنشأتها جمعيّة “منتدى النّشر”، الّتي رأت إدارتها، بحسب ما يذكر، أنَّه قادر على أن يكون في الصّفّ الثَّالث، على أساس أنّ معلوماته كانت جيّدة، وتؤهِّله لاجتياز الصفّين الأوّل والثّاني والترفّع إلى الثّالث. وكان طالباً جيّداً، واستطاع النّجاح إلى الصفّ الرابع، ومنه خرج من المدرسة لمتابعة الدّراسة الدينيّة باكراً وهو في سنِّ التاسعة، على يد أستاذه الأوّل، والده المقدَّس السيّد عبد الرّؤوف فضل الله (قده)، حيث درس على يديه الموادّ الحوزويَّة؛ من النّحو، والبلاغة، والمنطق، والأصول والفقه.

هذا، وقد تابع سماحته (رض) الدَّرس الدّينيّ العالي (البحث الخارج) على يد علماء كبار، كالسيِّد “أبو القاسم الخوئي”، والسيِّد محسن الحكيم (وهو خال والدته)، و”الّذي كانت حركة مرجعيّته منفتحةً على الواقع الإسلاميّ العام، في الوقت الّذي كانت أغلب المرجعيّات تعيش في دائرة مغلقة خاصَّة”. ومن أساتذته أيضاً: السيّد محمود الشَّاهرودي، والشّيخ حسين الحلّي، والملَّا صدرا القفقازي. ومن أساتذته أيضاً، السيّد محمد سعيد فضل الله.

لم يكتف السيّد فضل الله بذلك، بل حاول استغلال كلّ وقته في التّحصيل العلميّ. ولذلك، لم يكتفِ بالدّروس التي كانت مقصد عموم الطلّاب آنذاك، بل حاول أن ينوِّع حضوره العلميَّ، عبر:

ـ الحضور لدى بعض العلماء في الدّروس التي كانت تُعقَد أيّام العطل، فحضر عند الشّيخ عبّاس الرّميثي، وعند المحقّق البجنوردي…

ـ عقد مباحثات منفردة في بعض الكتب الفقهيَّة والأصوليَّة التي لا تدرّس ضمن البرنامج الحوزويّ.

ـ حضور المذاكرات العلميّة التي كانت تعقد في سهرات ليلة العطلة، والّتي كان يتمّ فيها طرح المسائل العلميَّة.

يذكر أنّ سماحته (رض) انتسب إلى الحوزة الدينيّة حوالى سنة 1363هـ، وكان عمره آنذاك إحدى عشرة سنة، وقد استمرّت دراسته حتى سنة 1385هـ، أي أنّ دراسته في الحوزة الدينيّة في النجف استغرقت نحو اثنتين وعشرين سنة، و استمرّت مواكبته للفقه والأصول وغيره تدريساً وبحثاً بعد مجيئه إلى لبنان حتى قبيل وفاته (ره).

وما تميّز به، هو حبُّه الشّديد لطلب العلم والتزوّد بالمعرفة، وتحصيل الثقافة المتنوّعة، عبر قراءته المبكرة للمجلات والصّحف العربيّة والمؤلّفات الأدبيّة، والّتي كان يصدرها أدباء وكتَّاب مشهورون، كـ”حسن الزيّات” و”طه حسين”، ومنها مجلّة (المصري) ومجلّة (الرّسالة)، وكان يقرأ ترجمات كثيرة لأشعار لامارتين، وأناتول فرانس…

لقد تعاون سماحته (رض)، وكان في سنِّ الحادية عشرة، مع الشّهيد السيّد محمد مهدي الحكيم، ابن المرجع الدّيني السيّد محسن الحكيم (قده)، بإصدار مجلّة “الأدب”.

إضافةً إلى هذا النّشاط الأدبيّ، تأثّر سماحته بمحيطه، إذ إنَّ عائلة فضل الله هي عائلة شعريّة. وقد لمعت شاعريّته في وقت مبكر، ونظم أولى قصائده وهو في العاشرة من عمره، وكان منفتحاً على الأجواء الثّقافيّة والسياسيّة، ما انعكس على شخصيَّته مستقبلاً كعالم مصلح، وأديب شاعر، ومجتهد مبدع.

واطّلع سماحته على تجارب الشّعر القديم والشّعر الحديث، فقرأ لأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعلي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل وخليل مطران والياس أبو شبكة وبشارة الخوري وصلاح لبكي، وغيرهم من الشعراء، كما قرأ لمحمد مهدي الجواهري وعلي الشرقي، إضافةً الى الشّعراء القدماء، كالمتنبي وغيره.

كما تعرّف إلى تجارب ما يسمّى الشّعر الحرّ في الخمسينات، كما في تجربة نازك الملائكة وبدر شاكر السيّاب وصلاح عبد الصّبور وعبد العزيز عبد الصّبور…

صدر له أربعة دواوين من الشّعر، وهي “يا ظلال الإسلام”، “قصائد الإسلام والحياة” ،”على شاطئ الوجدان”، وأخيراً “في دروب السبعين”، وتضمنت هذه الدواوين قصائد كتبها في النجف وفي لبنان، وكذلك تنوعّت بين الشّعر الموزون والشّعر الحرّ.

وأوَّل نشاطٍ ثقافيٍّ له، كان إصدار صحيفة خطيَّة بالتَّعاون مع بعض الزّملاء في مرحلة مبكرة من العمر، كما كان مشاركا فذّاً في النجف الأشرف في النّشاط الثّقافي، وقد انتخب عضواً في المجمع الثقافي “لمنتدى النشر”، وشارك أيضاً في النجف في العمل الصّحافي، عندما أصدر جماعة العلماء في النّجف الأشرف مجلّة “الأضواء” سنة 1380هـ، بعد الانقلاب على العهد الملكي، وهي مجلة ثقافيَّة إسلاميَّة ملتزمة، فكان أحد المشرفين عليها، هو والشَّهيد السيّد محمّد باقر الصّدر، والشّيخ محمد مهدي شمس الدين ، وبعض العلماء من النّجف، فكان السيّد محمد باقر الصَّدر، في سنتها الأولى ، يكتب افتتاحيّتها بعنوان “رسالتنا”، وكان سماحة المرجع السيّد فضل الله يكتب الافتتاحيّة الثانية بعنوان “كلمتنا”.

درّس الفقه والأصول، وكان أستاذاً كبيراً صاحب شخصيّة ناقدة وجريئة ومعاصرة، لا تسلّم من دون تأمّل وفحص وتدقيق، حتى ولو كان الموضوع مشهوراً بين الفقهاء، فمزج بين الأصالة والمعاصرة، منطلقاً من فهم واسع للظّروف الاجتماعيّة لحركة المجتمع، ومتسلّحاً بثقافة لغويّة وقرآنيّة عالية.

لم يتوقّف السيّد فضل الله يوماً عن التَّدريس، باعتباره ضروريّاً للتنمية العلميّة بقدر ما هو حاجة للطلّاب.

عند مجيئه إلى لبنان سنة [1386هـ/ 1966م]، أسَّس حوزةً علميّة، وهي “المعهد الشّرعي الإسلاميّ”، وكان يدرّس الرّسائل والمكاسب والكفاية، و”أجود التّقريرات” للسيّد الخوئي (ره) مع حاشيته، ثمّ درّس بحث الخارج لأكثر من خمس وعشرين سنةً…

تخرّج على يديه كثير من طلبة العلم والعلماء في لبنان، وفي سوريا أيضاً، حيث كان يلقي دروسه ومحاضراته الأسبوعيَّة. فقد أقام سماحته منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي درساً للبحث الخارج في سوريا، بجوار مرقد السيّدة زينب (ع)، وقد حضره علماء أعلام، منهم السيّد عبد الله الغريفي، والسيّد حسن النّوري، والشيخ محمد رضا الأحمدي البهسودي، والسيّد محمّد الحسيني، وآخرون. وقد درَّس سماحته في أبواب عديدة من الفقه.

كذلك، درَّس السيِّد (ره) في الأصول دورات عدَّة، واستمرَّ في ذلك حتّى العام 2000م / 1420-1421 هـ، حيث توقَّف عن تدريس الأصول كبحثٍ مستقلّ، وكان يعيد بحث بعض المسائل في محلّها في أبواب الفقه خلال تدريسه.

وقد أعلن مرجعيّته في العام 1995م / 1415هـ، ولم يكن ذلك بمبادرة ذاتيّة منه، كما أعلن هو نفسه، بل نتيجة ضغط من أكثر من جماعة في كلِّ أنحاء العالم لإصدار رسالته العمليَّة.

كان المرجع السيِّد فضل الله (ره) صاحب مشروع إصلاحي تجديدي على مستوى الفكر الديني والفكر بوجه عام، منطلقاّ من حسّ الأصالة، ومواجهاً كلّ عناصر التخلّف والخرافة، مقدّماً الدين بشكل حضاريّ، بكلِّ أبعاده الفكرية والسياسية والاجتماعية والعقديّة.

كذلك، حرص السيد على الوحدة بين المسلمين، ويبرز في هذا الإطار، فتواه المتعلقة بحرمة سبّ الصحابة، ودعوته الدائمة للابتعاد عن الفتنة المذهبيّة التي تحاول إثارتها القوى الاستكباريّة لإضعاف المسلمين، ومناقشة الخلافات بين المسلمين بأسلوب علميّ بعيد من الإثارة.

كما وقف (رض) بقوة مع قضايا المرأة وحقوقها المشروعة، محاولاً رفع ما لحق بها من سلبية استحكمت بالذهنيّة الإسلاميّة، مبرزًا رأيه المستند إلى الفهم القرآني السّليم والدقيق في كلّ ذلك.

شارك سماحته في العديد من المؤتمرات الإسلامية والفكرية والوحدوية والدينية خارج لبنان في أوروبا وأميركا وإيران والهند وغيرها.

إضافةً إلى كلّ ذلك، عمل سماحته على تأسيس جمعيّة المبرّات الخيريّة والمؤسَّسات التكافليّة الاجتماعيّة، مولياً الفقراء والأيتام عنايته الخاصّة، حيث استفاد من هذه المؤسّسات الآلاف منهم، وقد افتتح على مدار السّنوات العديد من المدارس في الكثير من المناطق اللّبنانيّة، واستمرّ في عطاءاته المتنوّعة دون كلل أو ملل، حيث كان من المعروف عنه شغفه الشّديد بالعمل والمتابعة في الميادين كافّة.

أرشيف الصور​