عقدت جمعية المبرات الخيرية مؤتمرها التربوي الثامن والعشرين بعنوان “المبرّات من المأسسة إلى التميّز المؤسساتي “، بحضور فاعليات تربوية واجتماعية وأكاديمية ودينية، وحشد من تربويّي المبرّات من مختلف مؤسساتها المنتشرة في لبنان.
بداية، تلاوة قرآنية للمقرىء الدولي محمد عز الدين، تلاها النشيد الوطني ، ثم فيلم قصيرعن إنجازات المبرّات بعنوان ” أربعون عاماً لخير الإنسان والحياة”.
وزير التربية
تخلل المؤتمر كلمة لوزير التربية أكرم شهيب، جاء فيها: ” ينبثق مؤتمركم التربوي الثامن والعشرون ليشكل واحة مضيئة في قلب التراجع والإرباك الذي يسود الأجواء العامة، وفي خضم التقشف الذي يطاول الموازنة العامة وينعكس انكماشاً في الحركة الاقتصادية، ما شكل تعثراً في العديد من المؤسسات التربوية التي تقفل أبوابها، نتيجة عدم إيفاء المواطنين بالتزاماتهم المالية، وإقفال أبواب الرزق شركة بعد أخرى”.
وأضاف:” إننا في وزارة التربية والتعليم العالي نتكامل في الرسالة والدور مع المؤسسات التربوية الخاصة، وفي مقدمها جمعية المبرات الخيرية، ونتشارك في حمل العبء التربوي العام، وقد آلمنا أن تقفل مدارس خاصة عديدة أبوابها نتيجة عدم سداد الأقساط وبالتالي تناقص عدد المتعلمين فيها وخسارة الهيئة التعليمية فرص العمل، ومعها العديد من الإداريين والعاملين. وقد تسبب هذا الأمر بتدفق التلامذة نحو المدارس والثانويات الرسمية، مما يوجب علينا إيجاد مقعد دراسي لكل طالب علم، على الرغم من القانون الذي يمنع التوظيف أو التعاقد الجديد”.
وأشار شهيب إلى أن ” وزارة التربية عممت على المؤسسات كافة ضرورة حفظ حقوق المؤسسات التربوية الخاصة لدى انتقال أي تلميذ إلى المدرسة الرسمية، كما أعطينا مهلة محددة للمدارس غير المرخصة لكي تنجز ملفاتها فتصدر مراسيمها، وفي حال عدم الإفادة من هذه الفرصة فإننا سوف نمنعها من استقبال تلامذة جدد ريثما يتم إنهاء دراسة القدامى وقفل المدرسة”.
وختم : ” إن دليل التميز للمؤسسات التعليمية الذي أصدرته المبرّات هو عصارة خبرات وتراكم نجاحات، تربوية وإدارية وفنية، وسوف نستفيد منه في سعينا نحو استنهاض التعليم الرسمي عبر اختيار المدير الجيد والطاقم الإداري والتربوي المتميز، وإننا إذ نهنئ جمعية المبرات مسؤولين وعاملين على الصعد كافة بهذا الإنجاز، فإننا نعتبر هذا المؤتمر منصة للنقاش وتبادل الرأي حول العديد من الشؤون التربوية الملحة التي تواجهنا ، فنتوافق على المقاربات لوضع خارطة الطريق نحو التحسين والمأسسة، ونتطلع إلى ورشة تحديث المناهج التربوية لكي نحقق من خلالها قفزة مدروسة نحو التعليم الرقمي التفاعلي”.
مدير عام المبرّات
ثم ألقى مدير عام جمعية المبرّات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله كلمة قال فيها:” التطلع إلى التميّز جزء من تاريخ المبرّات التي استندت إلى رؤية المرجع المؤسسالسيد محمد حسين فضل الله والمتميزة بالفكر المتقدم والتجدد المستمر، رؤية تمظهرت في شمولية فكرها وما فيها من عمق روحاني ديني واجتماعي وتربوي”.
وأضاف:” لم تكن المؤسسة تنتظر دليل التميز لتسير في طريق التميّز فإنجازاتها هي تعبير عن ذلك، وهي تتمثل في التجارب التي تعكس أفضل ما توصل إليه العلم في مجال إدارة العملية التربوية وضمان استدامة العملية التطويرية للمؤسسات، ولكن مع الدليل أصبح لدينا الأداة لتبلور جزء من هذه التجربة وتعطي طريقة منهجية عقلانية لضمانة وبقاء واستمرار المسيرة وتحقيق الرؤية التي تنفتح على العلم والتعلم”.
وأشار إلى أن:” الحديث عن التميّز في المبرّات حديث يطول عن الجوانب التربوية والرعائية والإنسانية والأنشطة وتحديث الأنظمة والتقييم والتدريب والتطوير، والتميّز بتطبيق سياسة الدمج التربوي وإدخاله ضمن معايير التميّز، كما التميّز بتحديث المناهج بما يتماشى مع تطور النظريات التربوية، وحصد الجوائز في العديد من الأنشطة التعليمية والتكنولوجية والبيئية والرياضية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي”.
وقال:” التميّز في المبرات تجلّى بمجالات ومناحٍ عدّة من أهمها اعتماد التفكر كممارسة إدارية تربوية جوهرية لتكون محطة للمراجعة والتغيير لمسارات العمل بهدف التحسين والتطوير المستمر”، مشيراً إلى أنه: “عندما نتفكر في تربية أو رعاية أبنائنا أو تلامذتنا لابد أن يكون في مقدمة تفكيرنا حرص على النماء العاطفي الاجتماعي المتوازن لكل منهم، وهو ما أكدنا على إدراج مهاراته ضمن الخطط والبرامج والتدريب عليه في توجهاتنا”.
وتابع:” في بداية عصر الذكاء الاصطناعي، يواجهنا سؤال أين نحن في المبرّات من ذلك، وليس القصد وجود برامج ونظم معلومات لتسيير الأعمال، بل أبعد من ذلك النظر إلى كل ما أنتجته المبرات من علم وخبرات وتجارب على مدى سنواتها التي زادت عن الأربعين، كيف سنستفيد من علم وتقنيات إدارة المعلومات والمعرفة لجمع وحفظ وتصنيف هذه الخبرات والتجارب بشكل يستفاد منها حسب المجال والاختصاص”.
وأشار إلى أنه: ” في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والأجواء السياسية المشوشة ندعو إدارات المؤسسات لدراسة الظروف الأصعب التي يمرّ بها الأهل، بدراسة كل حالة ومحاولة استيعاب صعوبة المرحلة”، مؤكداً:” على استمرار في حفظ التلامذة وعدم تسربهم من المؤسسات ومحاولة ابتكار حلول لا توقع المؤسسة في عجز لا يمكنها تحملّه، مع الحفاظ على الوضع الإنساني لتلميذة أو تلميذ قضى ردحاً من السنوات في المدرسة”.
وأضاف:” إن استمرار المؤسسات في تأدية خدماتها التربوية يستند إلى وعي جميع العاملين لتفهم الظروف والعمل على ترشيد الإنفاق قدر المستطاع دون المساومة على المستوى التعليمي والتربوي وجودة الأداء ومشاركة العاملين في تحمل مسؤولية استقطاب موارد مالية من المجتمع المعطاء، والحث على تحصيل الأقساط، مع سعينا لاستمرار احتضان الكوادر التربوية الفاعلة التي تعتبر المورد الأساسي للتميز المؤسساتي”.
وختم بالقول:” أن المبرات سوف تستمر في أداء رسالتها من دون النظر إلى الربح المادي، متعاونةً مع كل أهل الخير الذين يرفدونها ومن دون أن ترتبط بأية جهة سياسية أو أية دولة، منفتحة على كل مكوّنات الوطن بعيداً عن الطائفية والفئوية والعصبية لتبقى تفيض بالخير والحب للإنسان في هذا الوطن”.
العلّامة فضل الله
وأعتبر رئيس جمعية المبرّات الخيرية سماحة العلّامة السيد علي فضل الله أن ” التميّز في المبرّات ليس خياراً بل واجباً دينياً وأخلاقياً، وهو تعبير عن إنسانيتنا، فالأوطان لا تبنى ولا تقوى ولا تحضر بين الأمم إلا بالمميزين فيها الذين يتركون أثراً في أوطانهم وأوطان الآخرين”.
وقال سماحته: “المميزون هم من يُسعى إليهم، ويصبحون حاجة للآخرين، وهم لا يحتاجون إلى أن يتسكعوا على أبواب الزعماء وأصحاب النفوذ لأجل بلوغ ما يريدون، ولذا فالتميز باب لحريتنا، ولعدم الوقوع في قبضة الآخرين، ولعدم استعبادهم لنا”.
وأضاف:” تميزنا سيكون في تعبيرنا الإنساني والأخلاقي والإيماني، في قدرتنا على بناء جيل يعيش التوازن في شخصيته، جيل واعٍ عقلاني، جيل منفتح على الحياة يتطلع إلى أن يكون حاضراً في العصر الذي نعيش، فلا يتعقد ممن يختلف معه، بل يبني جسور التواصل معه، جيل يحمل المحبة للآخرين”.
ولفت إلى :” أننا نتحدث عن التميز، ونحن نعرف جيداً حجم الضغوط التي تواجهنا كمؤسسات أو تواجه كلٌ منا في حياته الخاصة، في الأوضاع النفسية القلقة، وفي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وفي الأوضاع الأمنية والسياسية، والخوف على المستقبل، هذه كلها عوائق أمام العمل، فكيف أمام مسيرة التميز”
وختم:” على الرغم من كل هذه الظروف لن نترك مسؤوليتنا ولن نسقط أمام ضغوط الحياة وظروفها، سيكون التميز بالانتقال من مرحلة سد الفراغات المجتمعية إلى مرحلة التميز في سد هذه الفراغات”.
ندوة حوارية
بعد ذلك، عرض المنظّمون فيلماً قصيراً عن “رواد المبرّات”، أعقبه ندوة حوارية حول ” التميّز المؤسساتي ضمان جودة الخدمة والتنمية الإنسانية المستدامة”، أدارتها نائب المدير العام للتربية والتعليم في المبرّات الأستاذة رنا إسماعيل، وتحدّث فيها كل من الأستاذة المساعدة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة يارا هلال، وأستاذة علم الإجتماع في الجامعة اللبنانية د. سوزان أبو رجيلي ، والمدير الشريك لشركة UMW-QMI الأستاذ محمد فواز.
استهلت الندوة بمداخلة للدكتورة هلال طرحت فيها الإطار النظري للعلاقة بين التميّز والأفراد في المؤسسة المتميّزة، ثم قدمت د.أبو رجيلي مداخلة تحت عنوان” المبرّات نحو إشعاع التميّز” ربطت فيها بين الإطار النظري والتجربة العملانية، وقدمت اقتراحات لآليات “تساعد في تعزيز التميز”. بدوره الأستاذ فواز شرح مقومات الإستدامة في التميّز بالاستناد إلى فكر المؤسس العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله “.
تجدر الإشارة إلى أن المؤتمر تخلله ما يزيد عن ثلاثين ورشة عمل وعشر ندوات خلال أيام ثلاثة، توزع عليها كادر المبرّات التربوي من معلمين ومشرفين ورعائيين وإداريين وأكاديمين.