العلّامة فضل الله في المؤتمر التربوي ال 24 ل”المبرات”:أحوج ما نكون لاستعادة مفهوم الرحمة بعد طغيان العنف على واقعنا

Share on facebook
Share on twitter
Share on print

عقدت جمعية “المبرات الخيرية” مؤتمرها التربوي الرابع والعشرين بعنوان “الرسول الأكرم القدوة في التربية والتعليم مفهوم الرحمة بين النظرية والممارسة”، في قاعة الزهراء الملحقة بمسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، وذلك بحضور فاعليات تربوية واجتماعية وأكاديمية ودينية، وحشد من تربويي مؤسسات المبرات في لبنان.

علي فضل الله
بداية النشيد الوطني، ثم كلمة راعي الحفل رئيس جمعية المبرات الخيرية العلامة السيد علي فضل الله قال فيها: “عندما تنعدم الرحمة فتكاد الحياة أن تكون جحيما وأمرا مستحيلا، ويكفي أن تتصوروا كونا بلا رحمة لتعرفوا معنى هذه القيمة، أن تتصوروا حياة بدون أمهات أو بدون آباء أو بدون رب رحيم، أو مديرا يضغط على عماله أو يترصد أخطاء من هم تحته، رئيسا لا يعبأ بحاجات عماله ولا يبالي بهمومهم وآلامهم، تصوروا كيف سيكون المجتمع عندها، مجتمعا تضج فيه الأنانيات والعصبيات، مما يولد مؤسسة مضطربة أو مجتمعا مشجونا بالتوتر أو وطنا غير مستقر”.

أضاف: “إننا في مرحلة نحن أحوج ما نكون فيها إلى تعزيز مفهوم الرحمة، إلى استعادته بعدما طغى العنف على بلادنا وطغت القسوة على واقعنا. وتسللت إلى عقولنا وقلوبنا وتلبدت بسببها مشاعرنا، حتى بتنا لا تهزنا المجازر ولا توقظ أحاسيسنا آلام الناس من حولنا ومعاناتهم، وإذا هزت فهي تهزنا للحظات، ولا أدري إذا كانت مشاعر العالم العربي والإسلامي قد اهتزت فعلا عند رؤية مشهد الطفولة الملقاة على شاطىء البحر في تركيا، وهو مشهد يتكرر في أكثر من بحر ومحيط لأطفال سوريا، وما يصيب بلداننا من مأساة في الداخل تدفع الكثير للمخاطرة بكل ما يملكونه، إضافة إلى ما يجري من قتل متعمد للطفولة في فلسطين. كل ذلك يحدث فيما الأمة كلها في حالة صمت والجامعة العربية تتفرج على مأساة هؤلاء دون أن تحرك ساكنا، هذا فضلا عن سكوت وصمت منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة وكل المؤسسات الدولية”.

وتساءل: “هل أن ما نشهده في الواقع العربي والإسلامي من عمليات قتل وذبح تمت إلى الدين بصلة”، وقال: “الجواب على ذلك واضح، إن ما يجري لا يمت إلى حقيقة الدين ولا إلى جوهره وتعاليمه، فالذين يفتون بذلك لا موقع لهم من الفتوى، وإن ما يجري هو نتاج عصبيات وأحقاد ومشاريع دول تغلف نفسها باسم الدين، فتتغطى بثوبه لأنه جذاب، وهي تأخذ من الدين ما يناسبها، هي تأخذ من الدين آيات وأحاديث الحرب ولا تأخذ منه آيات وأحاديث السلم، تأخذ من الدين العنف ولا تأخذ منه الرفق، هي لا تأخذ من الدين حواريته وانفتاحه، هي لا تأخذ منه سلمه مع كل الذين يختلفون معه ما داموا لا يعتدون ولا يمنعون أهل الدين من التعبير عن دينهم”. 

باقر فضل الله
ثم كانت كلمة لمدير عام “جمعية المبرات الدكتور محمد باقر فضل الله هنأ فيها طلاب المبرات الناجحين في الامتحانات الرسمية، قائلا: “ها هو حصاد مدارس المبرات ومعاهدها يطل عيدا كما في كل عام عيد النجاح والتفوق في امتحانات الشهادات الثانوية والمتوسطة والمهنية، لقد تخرج من شهادات الثانوية العامة 473 خريجا وخريجة مع تقديرات 151 مرتبة جيد جدا إلى جيد، ونجح 1246 في الشهادة المتوسطة بتقديرات 437 بين جيد جدا وجيد، ونجح 452 في الشهادات المهنية منهم 12 أوائل في اختصاصات متعددة. وهنا أود أن ألفت للأعداد الكبيرة التي تخرجها مدارس المبرات ومعاهدها وفي خريجيها تلامذة الدمج التربوي الذين ترعاهم المدرسة حتى يتخرجوا بشهادات ثانوية أو مهنية، كما نلفت إلى أن هناك 79 خريجا من الأيتام في المؤسسات الرعائية مع درجات تفوق”.

وعرض لبعض التوجهات التربوية للعام الدراسي مستهلا ذلك بالحديث عن التربية الإدماجية، قائلا: “هذه المقاربة كانت مدارس المبرات سباقة على مدى ست سنوات إلى تطبيقها وذلك بعد أن لمسنا الأثر الإيجابي لها على صعيد تنمية مهارات التفكير والتعبير اللغوي لدى المتعلمين، إضافة إلى إغناء القاعدة المعرفية لهم وربطها بمتطلبات الحياة اليومية”. 

أضاف: “لذا قررنا تطبيق التعليم والتعليم الإدماجي، لمرحلتين خلال العام الدراسي مما يشكل تجددا وتطويرا للمقاربات التعليمية ما يضمن المحافظة والتعزيز للأهداف المحققة أو المكتسبات التي حققتها التلامذة”.

ثم تحدث عن “دور الأهل كشركاء في التربية”، فدعا “جميع المعنيين في المؤسسات لمراجعة شاملة لكل الإجراءات وآليات التواصل المتعلقة باستقبال الأهل والإصغاء النشط لمراجعاتهم ووجهات نظرهم واقتراحاتهم التحسينية، والتطلع إلى أي مدى تعطي الإجراءات والآليات المجال الكافي والمحفز للأهل للتواصل الإيجابي والمثمر مع المؤسسة وإلى أي مدى يشعرون أنهم محور الاهتمام والتقدير من جميع الذين يتواصلون معهم، بدءا من دخولهم أبواب المؤسسة إلى مكتب التسجيل وأمانة الصندوق والناظر والمنسق والمدير”.

وتطرق فضل الله إلى “دور المبرات في تخفيف الآلام الناس ومعاناتها الاقتصادية والنفسية والبيئية”، فقال: “المبرات كانت ولا زالت السباقة في وضع البرامج المرتبطة بالدعم النفسي إضافة للدعم التعليمي والنمائي لمساعدة التلامذة والأبناء وأسرهم على تخطي العديد من الأزمات والصدمات التي يواجهونها”. 

ودعا إلى “اعتماد التربية الإعلامية في المؤسسات التربوية”، قائلا: “لا بد أن نطل في توجهاتنا على الإعلام الذي أحكم سيطرته على العالم مسليا ومربيا ومعلما وموجها، وها هو يظهر كل يوم بوجه جديد وأسلوب مبتكر وبتقنيات مدهشة متجاوزا حدود الزمان والمكان ما جعل التربية بوسائلها المحدودة تفقد السيطرة في أكثر الأحيان على أرضيتها وأصبح الإعلام يملك نصيبا هاما في التأثير والتوجيه والتربية، لذلك من الضروري تعليم تلامذتنا وأبنائنا مهارة التعامل مع الإعلام وتحصينهم في مواجهة الانفلات الإعلامي وتعريفهم الأسلوب الأمثل للتعامل مع وسائل الإعلام وتدريبهم على تحليل المحتوى الإعلامي والانتقاء والتحرر من الإنبهار بالتكنولوجيا والتأكد من صحة المصادر”.

وأضاف: “إن من الواجب تعريف الطلاب على مصادر النصوص الإعلامية وأهدافها السياسية والاجتماعية والتجارية والثقافية، وتدريبهم أيضا على التحليل وتكوين الآراء النقدية حول مواد الإعلام، وحبذا لو تدربونهم على إنتاج الإعلام الخاص بهم وتعليمهم تقنية فهم وتفسير الرسائل والقيم التي تقدم من خلال البرامج، وصولا إلى مساعدتهم على المشاركة العملية في الإعلام عبر الحوار والتعبير عن الذات وإنتاج المضامين الإعلامية وبثها”.

وتوقف فضل الله عند ما يفرزه المشهد السياسي من عنف فقال: “لا بد من التأكيد على الاستمرار بسياسة الانفتاح التي أرادها المرجع المؤسس لتبقى المبرات تمثل الصورة الحضارية بمخرجاتها الإنسانية. كما يغدو ملحا في ظل كل ما يجري الاستمرار في تدريب تلامذتنا على ثقافة الحوار ونبذ العنف والتسامح وتأصيل مفهوم الرحمة نظرية وممارسة، وقبول الاختلاف والمصالحة مع الذات ومع الآخر”.

وختم: “من الطبيعي أن نربي أبناءنا بأن يكونوا فخورين بهويتهم ومعتقدهم وأن يقدموا ما يؤمنون به، ولكن أن يكونوا عند الاختلاف أكثر إنسانية وأكثر قربا وانفتاحا وانطلاقا إلى الفضاء الواسع، إلى رحاب الحق والعدل والخير كل الخير لجميع الناس”.

ندوة
بعد ذلك، قدمت الفرقة الإنشادية في جمعية المبرات فقرة فنية بعنوان “طلاب المعالي”، فإعلان لأمانة سر المؤتمر عن نتائج مسابقة أجمل نشاط يجسد عنوان المؤتمر، ليختتم المؤتمر بندوة حوارية بعنوان “مفهوم الرحمة بين النظرية والممارسة” أدارتها مديرة ثانوية “الرحمة” نضال جوني بمشاركة رئيس جامعة المقاصد الدكتور هشام نشابة والمدير الشريك لشركة QMI محمد فواز.

وأشار نشابة إلى أن: “الرحمة من كليات الدين التي يجتمع عليها المؤمنون، فقد كتب الله على نفسه الرحمة، ورسولنا صلوات الله وسلامه عليه رحمة مهداة”. ثم توجه للمعلمين قائلا: “خففوا عن تلامذتكم من عناء التعلم بالرفق بهم، والصبر عليهم، والتقرب إليهم بما يحببهم بالعلم، ولكم في رسول الله أسوة حسنة، فقد أشفق على أمته في كثير من واجباتهم تجاه ربهم وتجاه المجتمع”.

وأضاف: “إياكم والقسوة أو العنف والتعنيف مع أبنائنا، فهم أبناؤكم. وإن أطاعوكم اليوم خوفا من قسوتكم وتعنيفكم فإنهم سيتمردون عليكم يوم يتقدمون في العمر، فيخرجوا عن طاعتكم. وستترك قسوتكم معهم في الصغر، آثارا نفسية وسلوكية تسيء إليهم وإلى من حولهم”.

وختم: “إن أولياء هؤلاء الأولاد الأعزاء قد أرسلوا أولادهم إليكم لتتعهدوهم بالرحمة والمحبة لا بالقسوة والعنف. لقد ولى الزمان الذي كان المعلم الناجح الذي يقسو على الأولاد، ويلقى من الأولياء التقدير والاحترام”.

ثم تحدث فواز عن مفهوم الرحمة في الإدارة داعيا إلى “ضرورة نشر ثقافة الرحمة في الإدارات”، معتبرا “القيمة الأساسية في الأنظمة الإدارية هي قيمة الرحمة”. 

اأخبار ذات صلة