تحرص “جمعية المبرّات الخيريّة” على إتمام رسالتها برغم الظروف، وهي التي شكّلت مع الناس علاقة وثيقة على مرّ السنوات. الجمعية جزء منهم، ولهم، وشجرة الخير لن تنقطع. قد يتأثر العمل الخدماتي في الجمعية قليلاً بالأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد، لكنّ الإصرار على الاستمرار يعطي زخماً أكبر للانطلاق مجدّداً. المؤسسات الرعائية في “المبرّات” مستمرة، لتساهم بالتخفيف عن المجتمع، وفي النهوض بالمجالات التي تقوم بها على صعيد الوطن.
لم يسلب فيروس #كورونا هذا العام بركة #شهر_رمضان في “المبرّات”. المؤسسة التي اعتادت على تنظيم إفطارات يومية سنوياً لأيتامها ومحتاجيها في المناطق كافّة، واظبت على عملها الخيري، اليوم، كما في السابق، وبجهد وإصرار كبيرين. أطلقت الجمعية، مع بداية الشهر الكريم، مشروعها الخيري الجديد “إفطار الأيتام في بيوتهم”، والذي يقوم على تأمين وجبات إفطار يومية للأيتام وعائلاتهم وتوزيعها على البيوت قبيل وقت الإفطار وفق الإمكانات المتاحة.
في مطبخ مبرة السيدة خديجة الكبرى- طريق المطار، ينهمك فريق من العاملين والمتطوعين في إعداد الوجبات منذ ساعات النهار الأولى، ومثلهم في مطابخ المؤسسات الموزّعة في لبنان. بتعاون وتكافل، يعدّون وجبة إفطار متنوعة، تحتوي على طبق رئيسي، فتوش، مقبّلات وحلويات لجميع أفراد العائلة. انطلق المشروع بدعم مجموعة من الخيّرين والمتبرعين، ويطال 4600 يتيم ويتيمة ترعاهم “المبرّات” في 10 مؤسسات رعائية تسببت أزمة كورونا في بقائهم في منازلهم، إضافة إلى نحو 600 معوّق و150 مسنّاً أيضاً. ولا يغفل القيّمون على المطبخ التزامهم بالتدابير الوقائية والصحية، وإجراءات التعقيم المستمرّة، لما تشكّل من مسؤولية رئيسية في ظلّ الوضع الصحي الدقيق الذي يمرّ به لبنان. يواظب رئيس “جمعية المبرّات الخيرية”، السيد علي فضل الله، في كلّ مرة تواصلنا معه، على التأكيد أنّ “المسؤولية التي تقع على عاتق “المبرّات” تجاه الأيتام والحالات الاجتماعية المعنية بهم، تعتبر أنه لا بد من مساعدتهم سواء داخل المؤسسة أم خارجها”. يبدأ فضل الله حديثه مع “النهار” بـ”الحمدلله… ثقة الناس وخيرها موجودان بالرغم من الوضع السيّئ، وشريحة منهم لا تزال تبادر لعمل الخير، وإن كان بمبالغ أقل، وهذه محاولة مبشّرة”.
تدور عجلة الخير بين بيروت والجنوب والبقاع والشمال وبعض القرى في جبيل، فالمشروع لا يقتصر على الوجبات فقط، بل هناك تقديمات أخرى كالإعانات المادية والحصص الغذائية. كما تزاول مكاتب الخدمات الاجتماعية التابعة لـ”مؤسسة السيد محمد حسين فضل الله”، وتالياً لـ”جمعية المبرّات”، عملها اليومي لاستقبال الطلبات، وأبوابها مفتوحة أمام تقديم المساعدات الاجتماعية والصحية على اختلافها. وهنا يؤكد فضل الله “الحرص على تأمين المواد الغذائية للمستفيدين في مؤسساتنا ضمن الإمكانات، أمّا مِّمَن يصعب التواصل المباشر معهم، فنستعيض عن المساعدة بالمال مثلاً”.
لا ينكر فضل الله أنّ الأزمة تركت أثرها في الجمعية على مدى الأشهر الماضية، لكنّ البنية الثابتة لن تهتزّ أمام أول عاصفة. يقول إنّ “بعض المؤسسات الإنتاجية التي تستفيد منها الجمعية عادة تأثرت أيضاً. نحاول تجاوز المرحلة بأقل قدر ممكن من الخسائر، وهمّنا الأساسي ألّا نؤثر سلباً في المستقبل القريب أو البعيد على المستفيدين من خدماتنا الاجتماعية وعلى العاملين لدينا. نحاول بكل جهد، ولا يزال هناك خير لدى الناس”.
ينصبّ اهتمام إدارة “المبرّات” على متابعة العمل وإيجاد مجالات جديدة، إن من خلال تعزيز فرص العمل في الجمعية، أو التعاون أكثر من الناس. يطمئن فضل الله: “ليس لدينا خوف من المستقبل، إلّا إذا خرجت الأمور عن الدائرة الطبيعية”. ويضيف: “لا ننتظر أيّ شيء أو دعماً معيناً، بل نثق بجهد الناس الذين يقدّمون للجمعية. إلى الآن، نحن مستمرّون بالموجود، ولاحقاً سنفكّر بالبدائل في حالات الطوارئ للنهوض وعدم التأثير على أيّ موظف، أو التقصير في حقّ أيّ يتيم أو محتاج”.
لم تترك “المبرّات” الأيتام خلال فترة التعبئة العامة، بل أولَت اهتماماً واسعاً لمتابعتهم في كافة المجالات. المسؤولية الملقاة على عاتقها ليست مادية وخدماتية فحسب، بل ترتبط أيضاً بالإطارين النفسي والثقافي. وكما داخل المؤسسة، عمد كلّ مسؤول عن “أسرة رعائية” إلى التواصل مع أفراد أسرته، يومياً، والوقوف عند آرائهم والاستماع لمشاكلهم، ضمن خطة رعائية متكاملة في المجالات التربوية والتعليمية والثقافية والتوجيهية.
وخلال 30 عاماً من العمل الخيري، بَنت “المبرّات” علاقة وطيدة مع المتبرّعين والحاضنين لبعض الفئات المهمّشة التي ترعاها. في ختام حديثه، يشدّ فضل الله على “أيدي اللبنانيين للاتفات إلى المحتاجين والأيتام الذين إن لم تتوافر لهم مؤسسة تعنى بهم فربما يشكّلون عبئاً على المجتمع”، مؤكداً أنّ “الشعب اللبناني شعب معطاء، ونحن بحاجة للتعاون مع الجميع لنقوم بمسؤوليتنا تجاههم، والدولة معنية أيضاً أن تكون حريصة عليهم وأن تضعهم بأولويتها برغم الظروف”.
وعلى غرار اهتمامها برعاية أبنائها، لم تغفل “المبرّات” عن النظر إلى أحوال موظفيها الاقتصادية. فهي واحدة من المؤسسات الكبرى التي لم تبادر إلى اقتطاع نسب من رواتب موظفيها خلال الأزمة، إلّا بعض المتعاقدين الذين لم يتمّموا أعمالهم، وقرار عدم الاقتطاع مستمر في الأشهر القليلة المقبلة أيضاً.
“جمعية المبرّات الخيرية” تعاند اليوم صعوبات العيش، في محاولة لإرساء حياة كريمة لدى مختلف شرائح المجتمع. تبادر بالإمكانات المتواضعة وتحفر عميقاً في كلّ مرة تمدّ يدها للعون. المبادرات الخيّرة لن تنقطع في شهر الخير.– للمساهمة في مشروع “إفطار الأيتام في بيوتهم”: 03337537 / 01457045